ما الغاية من أي إصلاح تربويّ؟ وما الأهداف التي يرمي إلى تحقيقها؟ هذا هو السؤال الجوهريّ الذي يجب الوقوف عنده لتحديد معالم الطّريق الواجب قطعه والإجابة عليه لندرك من نحن؟ وأين نقف؟ وماذا نريد؟
لا شكّ في أنّ كلّ منظومة تربويّة هي عبارة عن بناء متكامل يرتكز على أسس ودعائم ثابتة لا يجب المساس بها مع تعهدها الدائم بالتطوير والتغيير حتى تضحي قادرة على التلاؤم مع مقتضيات التحوّلات المختلفة ومسايرة المتغيّرات المتسارعة التي يشهدها الحقل العلمي والمعرفي والتكنولوجي ولعلّ من أهمّ الثوابت التي لا يجب التخلّي عنها التمسّك بكون الحق في التعليم هو حق إنساني كونيّ مكفول بمقتضى كلّ التشريعات الدولية والوطنيّة بما يجعل أي “إصلاح” يؤدّي إلى المساس بهذا الحقّ ومجانيته وجودته وبإمكانية النفاذ إليه وإتاحته لجميع المواطنات والمواطنين على قدم المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص دون تمييز أو استثناء ومدى الحياة هو في النهاية تدمير لمرفق لا تنهض المجتمعات والدول والأمم دونه ولهذا يتحتم علينا اليوم تصويب كلّ الخيارات والسياسات التي تمّ انتهاجها طيلة ما يقارب الأربعة عقود والتى صبّت جميعها مصبّ الانقياد إلى متطلّبات النمط الاقتصادي النيوليبرالي المجحف وما أدى إليه من نتائج مسّت الحقوق الفرديّة وعمّقت الفجوة بين الدول المهيمنة والدول المرتهنة إلى إملاءاتها وهو ما يحتم علينا بدوره إنجاز مشروع إصلاح تربوي وطني غايته الأساسيّة النهوض بالإنسان وخلق الثروة وتنمية الاقتصاد وتعميم الرفاهية على الجميع ومدخل ذلك تعليم جامعي هو دون أدنى شك المنفذ الرئيسي إلى النهضة العلميّة والحضاريّة والمعرفيّة التي تبنى على أساسها الأوطان ما يتطلّب مراجعة تعليمنا العالي الحالي لسدّ الثغرات التي اعترته وتجديد مضامينه وآلياته وظروفه الماديّة وبناه التحتية وحياته الجامعيّة ضمن تصوّر مشترك ومجهود جماعي متكامل.
فهل يمكن إدراج مخطط إصلاح منظومة التعليم العالي والبحث العلمي الذي انطلق منذ سنة 2015 ويتواصل إلى غاية سنة 2025 ضمن هذا الإطار من خلال قدرته على تحقيق أهدافه المعلنة وهي:
- حوكمة المؤسسات الجامعية وتحولها الإرادي نحو الاستقلاليّة الماليّة والقطع تدريجيّا مع البيروقراطيّة ومركزيّة القرار.
- مراجعة الخارطة الجامعيّة من أجل تجذّر جهوي أفضل:
- تغيير الاختصاص.
- إعادة التوطين.
- تجميع جامعات ومؤسسات.
- تكريس حركيّة أكبر للمدرّسين الباحثين والأعوان الإداريين في اتجاه المناطق الداخليّة وتيسير بعث هياكل البحث في جامعاتها.
- النهوض بالبحث والتجديد: تشجيع إحداث المؤسسات المجدّدة.
- إحداث “هيئة وطنية لحوكمة البحث”.
- إصلاح نظام “إمد”:
- مراجعة المسالك عددا ونوعيّة.
- تثمين التعلمات الأفقية وترسيخ القيم الأساسيّة مثل اللغات وثقافة بعث المؤسسات.
- التقليص من الأوقات المخصصة للامتحانات.
- إصلاح التعليم العالي.
- الرفع من تشغيلية الخريجين:
- مهننة التكوين الجامعي وتعزيز البناء المشترك للمسالك بين المؤسسات والجامعات.
- تطوير الكفاءات الأفقية وترسيخ ثقافة المبادرة.
- تشريك المهنيين في التدريس والتأطير وتحسين الإدماج المهني لحاملي الشهادات الجامعيّة.تطوير مراكز المهن صلب المؤسسات وتطوير إشهاد الكفاءات.
- تطوير تكوين المكوّنين:
- النهوض بالتجديد وبالبحوث البيداغوجيّة.
- تقنين التكوين البيداغوجي عبر إحداث شهادة في البيداغوجيا الجامعيّة.
- إرساء هياكل تعنى بالبيداغوجيا الجامعيّة.
- إحداث مؤسسة تعليم عال وبحث مختصة في علوم التربية.
لكن تبقى عمليّة تقييم مدى الخطوات المنجزة في هذا السياق وتكريسها للأهداف الطموحة على أرض الواقع عمليّة سابقة لآوانها لعوامل عدّة على رأسها عدم الاستقرار السياسي منذ انطلاق مخطط الإصلاح سنة 2015 إلى اليوم وما لذلك من تأثير على تنفيذ مراحله وخطواته إضافة إلى غياب أي تقييم داخليّ له والذي قد يرى النور حين انتهاء الفترة المحدّدة له أي نهاية سنة 2025 وما قد تبرزه من نقائص جديدة ربّما تدفعنا إلى التفكير الجدّي في إصلاح جديد وهي مسألة لا يمكن تفاديها إلا بتركيز المجلس الأعلى للتربية الذي عليه تحمل مسؤوليته كاملة في تصويب ما يجب تصويبه وتعديل ما يتطلب التعديل.