الرئيس: السيّد حاتم عمارة مدير عامّ متقاعد بوزارة التربية.
المقرّر: السيّدة سهام العوّادي.
المداخلة الأولى: “التعليم التقني مدخلا لإنقاذ التعليم العمومي بتونس”.
المتدخّل: السيّدة نجاح الحمداني مستشارة أولى في الإعلام والتوجيه المدرسي والجامعي.
انطلقت الورشة بعرض موجز لواقع التعليم التقني في تونس انطلاقا من تجربة السيد حاتم عمارة الخاصة أثناء عمله بالوزارةوقرن عدم استقراره والتعامل الجدي معه بأمرين اثنين هما عدم استدامة الوزارات (سبعة عشر وزيرا) والقطع معه بشكل مفاجئ دون إعداد مسبق والارتجاليّة في اتخاذ القرارات المتعلقة به لاحقا.
وفي حين أن الوضع اليوم يستدعي إعادة التفكير جديّا في العودة إلى التعليم المهني / التقني إلا أن ذلك لا يعني استعادة شكله القديم حيث لم تكن العملية التربوية تتجاوز الدرس المباشر والكتاب والمدرّس لكن مع المحافظة على جوهره أي منح التلميذ كفاءات مهنيّة تخوّل له دخول سوق الشغل وأيضا بشكل جديد لا يعتمد المقاربة القديمة أي توفير يد عاملة رخيصة بل بإعداد كفاءات تستجيب إلى نسق التكوّر المتسارع اليوم وتفسح المجال للمساهمة المبدعة المتطوّرة.
أما الجزء الثاني من العرض فقد اتخذ منحى اجتماعيّا حيث تطرّق الأستاذ حاتم بن عمارة إلى ارتباط التعليم المهني التقني بالوصمة الاجتماعيّة المنفرة منه مع غياب البدائل عنه حاليا في نظامنا التعليمي خاصة مع ما نواجهه من تحدّيات (داخليّة وخارجيّة) وأزمة البطالة والهجرة غير النظاميّة وغيرها من جهة والعولمة والذكاء الاصطناعي والمهن المستحدثة من جهة أخرى لذلك يجب التفكير في الأمر باستحضار هذه الأمور مجتمعة حتى نتمكّن من صياغة استراتيجيّة حقيقية لتطوير التعليم المهني / التقني بإكساب التلاميذ كفايات ومهارات ترفع نسق التمكن المعرفي لديهم وأولى الخطوات هي إعادة التفكير فيه من جديد.
ثمّ تمّ الانتقال إلى عرض الأستاذة نجاح الحمداني التي دعت في منطلق الورقة المقدّمة إلى عدم الفصل بين المسارات التوجيهية (تعليم عام / تعليم مهني) لتقدم في ما بعد تحليلا للوضع الراهن للتعليم مذكرة بما كان عليه التعليم المهني / التقني سابقا مؤكدة على نقطة اعتبرتها جوهريّة وهي أن هذا المسار التعليمي كان يوفّر موارد مالية هامّة للمدرسة ككلّ.
ثمّ عرّجت على واقع المنظومة التربويّة المتردّي اليوم حيث تحتل تونس المرتبة الرابعة والثمانين من مجموع مائة وأربعين دولة ناهيك عن ارتفاع نسبة المعطلين من حاملي الشهائد الجامعيّة وتفاقم نسب التسرّب المدرسيّ والبطالة والعنف الذي اتخذ أشكالا أشد خطورة في اآونة الأخيرة وصل حدّ القتل دون التغافل طبعا عن تردي البنية التحتية وظروف العمل والتمدرس وقرنت كلّ ذلك بإحصاءات رسميّة حديثة تنبئ في أغلبها بخطورة ما آل إليه وضع التعليم في تونس وما ترتب عنه من آفات صارت تهدد تركيبة المجتمع ذاتها من قبيل الهجرة غير النظاميّة وتطوّر أشكال الجريمة والميل إلى العمل في الاقتصاد غير المنظم وتعاطي المخدرات وترويجها وغير ذلك من المظاهر الأخرى كما أشارت إلى التوزيع الجغرافي لهذه الظواهر التي تتركز بشكل أكثر كثافة في المناطق الحدوديّة والدّاخليّة بشكل خاصّ وإلى أن حوالي 49 فاصل9 بالمائة من المنقطعين عن التعليم يبررون ذلك بعدم جدواه لديهم مما يدفع إلى التساؤل حول مسؤولية المناهج والبرامج في هذا النفور ومن الأمثلة التي أوردتها في هذا السياق التجارب التي تمّت في دول أخرى وأثبتت ارتفاع كلفة إجبار هؤلاء التلاميذ على الدراسة لفترات طويلة دون جدوى ثم إعادته إلى التأهيل المهني بالإضافة إن بعض الحضور قد أثرى هده المداخلة حينيا بتجارب ناجحة لبعض الجمعيّات التي خاضتها مع مراهقين وشباب كان للتعليم التقني أثر إيجابي في حياتهم ونموذج (تكويني يحميني) في صفاقس التي ساعدت على تقريب تقريب الصورة من الولي والتلميذ وشجعت على الالتحاق بمراكز التكوين.
وقد تخلل المداخلة كذلك نقاش حول المفاهيم المتصلة بالموضوع وضرورة ضبطها وتحديدها بدقة فكانت الإجابة أن ذلك قد تم بالفعل في تعريفات الأمم المتحدة واتفاقياتها المبرمة في الغرض.
كما ذكّرت المتدخلة بالقانون التوجيهي لسنة 2002 الذي فتح آفاق الباكلوريا التقنية للمسارات المهنية لكنّه ترك طيّ الرفوف وختمت مداخلتها بضرورة مواصلة العمل على ترسيخ التعليم العلمي والنقدي أيّا كان المسار التعليمي لتمكين التلميذ من الاستفادة من الممرات بين المسارات المختلفة (نماذح من الدول المتقدّمة), ثمّ ختم النقاش بالتطرّق إلى المهارات (اعتماد الملف المهاري) وضرورة تطوير العقلية المجتمعيّة ودعم الشرامات وتنويعها.
المداخلة الثّانية: “التعليم التقني مدخلا لإنقاذ التعليم العمومي”.
المتدخّلة: السيدة نجاة السحباني عضوة جمعية “تلامذتنا”.
وقد انطلقت من فكرة أن التعليم التقني يمثل رغبة لدى كثير من التلاميذ زأوليائهم مشيرة إلى الأثر الإيجابي لهذا المسار في القضاء على البطالة وحددت شروط الالتحاق كما يضبطها القانون مشيرة إلى عدم معرفة الكثيرين بها ولفتت إلى تناقص المؤسسات التربوية في مجال التعليم التقني / المهني وضعف البنية التحتية وعدم التناسب بين العرض والطلب كما طرحت حلولا تشجيعيّة على الالتحاق بسوق الشغل مع ما يرفّره الذكاء الاصطناعي ووسائل التواصل الحديثة من آفاق حقيقيّة.
ومن النقائص التي عرضتها المتدخلة أن التدريس النظري ينفر من الدراسة بهذه المؤسسات لآن التلميذ غادر التعليم العام هروبا أو نفورا منها أساسا وختمت بأن هذا المسار يمكن أن يكون مدخلا هامّا لحسم عديد إشكالات التعليم العموميّ.
أما النقاش فقد تطرّق إلى عدّة نقاط هامّة:
- تشعب عملية التشخيص وصعوبتها لما لها من حيثيات وأوجه متعددة (المنظومة / الأسرة / التلميذ / الإطار الاجتماعيّ / درجة الوعي…)
- أثر عدم الاستقرار السياسي وديمومة الحكومات في عمليّة الإصلاح التربويّ.
- عدم الجدّيّة في تناول قضايا التعليم الجوهريّة رغم عديد لقاءات النقاش ومشاريع الإصلاح النظريّة والتجارب المتعدّدة.
- طرح إشكال المنقطعين من المرحلة الابتدائية وعدم إعداد مشروع إدماج مهني لهم رغم تعارض تسربهم مع الحق الدستوري الذي ينص على إجبارية التعليم إلى حدود سن السادسة عشر.
- مناقشة الزمن المدرسي وأثره في التسرب المدرسيّ,
- تراجع المنظومة الحمائية للطفولة ما قبل 2010 وبعدها وعدم إيداد حلول حقيقية وعمليّة لتدارك ذلك.
- التنشئة على المعرفة وعلاقتها بالإندماج الاجتماعي والاقتصادي في علاقة بالتقسيم الاجتماعي للعمل.
- لا يجب أن يكون التعليم التقني / المهني مأسسة لفشل المنظومة التربويّة.
- توصيف بعض مؤسسات التكوين المهني وتحديد نقاط قوّتها وضعفها وبيان أساليب تدارك نقائصها.
- الحديث عن الذكائات المتعددة وكيفية توظيفها ضمن الاستراتيجيات التربوية القادمة,
- تقديم نموذج مقابل لنموذج تجربة صفاقس (تكويني يحميني) وهو الوضع القائم في منطقة سيدي حسين بالعاصمة التي تمثل أكبر نسبة من الانقطاع المدرسي مقابل خلوّها من أية مؤسسة للتكوين المهني / التقني.
- ضبابية آفاق التشغيل في صلة بالمنظومة التربوية الحالية.
- تحليل جندري لعلاقة الانقطاع المدرسيّ بأوضاع بنات الأرياف وأبنائها ورغبتهم في المساهمة السريعة في إعالة الأسرة.
- غياب التوجه الفني والإبداعي في تناول المسألة التربويّة وآثاره السلبيّة في المنتج (التلميذ).
التّوصيّات:
- إعادة التفكير في النظام التعليمي برمّته أخذين بعين الاعتبار التعليم التعليم التقني / المهني ركيزة من ركائزه وليس مجرد حل عرضي أو رافد ثانويّ.
- إرساء نظام توجيهيّ جديد تنوّع فيه المسارات وتتقاطع المسالك وتتوفر فيه فرص حقيقيّة مدروسة تفسح مجالا دذيّا فاعلا للختيارات الحقيقيّة المساهمة في بناء شخصيّة التلميذ ومساعدته على الاستجابة إلى تطلّعاته وتصدر عما يملك من مؤهلات ومهارات ذاتيّة.
- ضرورة مراجعة المناهج والبرامج والكتب المدرسيّة والاستفادة من التجارب المقارنة الناجحة فعليّا.
- مطالبة الدولة باإعلان بوضوح عن موقفها من المسألة وتحديد مشروعها بشكل صريح ومفصّل.
- ضرورة ربط المشروع بشروط أساسيّة ثلاثة هي الإرادة السياسيّة والإمكانات المادية والاستراتيجيا الواضحة بشكل تلازمي.
- لا يمكن لأي من هذه الشروط أن تتحقق ما لم يتمّ تحسين البنية التحتية والهيكلة العامة
وإعداد المدرسين بشكل علمي بيداغوجي جيّد زمناسب ولذلك تعد هذه الأمور الضرورية الركيزة الركيزة الأولى لآي مشروع إصلاحيّ في هذا السياق.
- ضرورة دمج التدريب العمليّ مع العمل المدرسيّ وربط الفروع المختصة من كلّ الوزارات ذات الصلة.
- تحديد ملامج التلميذ (المنتج التعليمي) كي تبنى على أساس ذلك المنظومة التعليميّة المنشودة متعددة المرامي والآفاق.
- إدخال العمل اليدويّ المهاري للتعليم في سنّ مبكّرة.
- العودة إلى تكوين القائمين على تدريس المواد المهنية وإعطائهم نفس الامكانيات وشروط العمل المتوفرة لنظرائهم من المدرسين في التعليم العام بعد تحسينها طبعا,
- النظر في كيفيّة توظيف المقاربة بالمهارات في عمليّة التوجيه.
- الربط مع المؤسسات الاقتصادية (التداول بين المدرسة والممارسة العمليّة).
- معالجة مفهوم “الحقرة” وصياغة مفهوم مغاير للنجاح وخاصة في علاقة بالمهن الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي.
- تثمين الإعلام للتجارب الناجحة لخريجي التكوين المهني والتعليم التقني.
- إعادة الاعتبار إلى دور الشباب والثقافة وجعلها مجالا للتعريف بالمهن والترغيب فيها خاصة بالمناطق الداخلية والمهمشة.
- الخروج من التصوّرات النمطيّة للتكوين.